كيف يمكن تعطيل المحكمة؟
ثمة طرائق عدة في هذا المجال أبرزها ثلاثة:
أولاها، كشف المزيد من الحقائق والمعلومات عن العملاء والجواسيس الذين يقومون بالتلاعب بشبكات الاتصالات السلكية والخلوية، واستخدامها في فبركة بيانات ومعلومات، وتزويد أجهزة التحقيق في المحكمة الدولية بها لتصبح “أدلة ثبوتية” يمكن استخدامها لاتهام حزب الله بأفعال جرمية . وليس من شك في أن كشف هذه المعلومات المفبركة والضالعين فيها يطعن صدقية المحكمة وهيبتها، وقد يحمل المدعي العام بلمار على تأجيل إصدار قراره الظني، أو ربما صرف النظر عنه، عاجلاً أو آجلاً .
ثانيها، شن حملة وطنية وشعبية تطالب بوقف تمويل المحكمة، كما تُطالب القضاة اللبنانيين في مختلف أجهزتها بالاستقالة منها، وذلك على أساس أنها فقدت صدقيتها ونزاهتها ومهنيتها، وأضحت أداةً في أيدي من يتربصون بلبنان لإشعال نار الفتنة في مجتمعاته . واللافت أن أحد أحزاب المعارضة الوطنية، الحزب السوري القومي الاجتماعي، دعا رسمياً إلى “سحب القضاة اللبنانيين من المحكمة الدولية، وباسترداد الملفات التي يتخذ منها ما يسمى المجتمع الدولي ذرائع لتهديد أمن لبنان واستقراره، وأول هذه الملفات ملف المحكمة الدولية” .
ثالثتها إسقاط حكومة سعد الحريري باستقالة وزراء المعارضة منها . ذلك أن للمعارضة ما يزيد على ثلث عدد أعضاء الحكومة، والدستور يعتبرها مستقيلة إذا فقدت ثلث مجموع أعضائها . غير أن قادة المعارضة يحاذرون اللجوء إلى هذا الخيار ضناً بالوحدة الوطنية التي ستتصدع بالتأكيد إذا ما تصلّب الحريري وحلفاؤه في شأن المحكمة ومستقبلها . لكنهم سيجدون أنفسهم مضطرين إلى سلوك هذه الطريق في حال توفر شرطين: استمرار الحريري في تصلّبه، وموافقة وليد جنبلاط وكتلته النيابية على هذا الخيار، ما يوفّر للمعارضة أكثرية مريحة في مجلس النواب .
يتردد أن الحريري استبق موقف حزب الله والمعارضة من المحكمة الدولية بالارتماء في أحضان سوريا، وأنه نال وعداً من الرئيس بشار الأسد بتهدئة حزب الله وإقناعه بالمحافظة على وحدة الحكومة كسلاح في وجه الحملة التي يشنها الغرب الأطلسي على الحزب والبلد . غير أن قيادات سياسية واسعة الاطلاع كشفت أن الأسد ووزير الخارجية وليد المعلم أكدا لكل من حاول جس نبض القيادة السورية في موضوع المحكمة الدولية أن أية تهمة توجّه إلى حزب الله إنما توجه إلى سوريا . من الواضح أن أية محاولة من جانب دمشق للتوسط بين حزب الله والحريري يجب أن تضع في الاعتبار مسألتين بالغتي الأهمية . الأولى، تصميم حزب الله على تعطيل صدور قرار ظنّي أو اتهامي ضده لئلا يصبح أداةً في أيدي أمريكا و”إسرائيل” للنيل منه على المستويين الإقليمي والدولي، وبالتالي تبرير محاولة ضربه وإخراجه من ميدان الصراع . الثانية، أن المحكمة الدولية باتت المرتكز الأساس لسياسة الحريري ولصدقيته في وسطه الإسلامي السنّي، الأمر الذي يمنعه من التفريط بها .
لعل المخرج الممكن من هذه المعضلة هو في إقناع الحريري بالوقوف إلى جانب حزب الله وحلفائه في التنديد بأسلوب التحقيق الذي اتبعه المحققون اللبنانيون والدوليون قبل إحالة الملف على المحكمة الدولية بشخص المدعي العام بلمار، وبالتالي التنديد بامتناعها عن محاكمة شهود الزور الذين افتروا على سوريا بادئ الأمر، ثم استداروا لاتهام حزب الله بعد ذلك، وصولاً إلى الإعلان جهاراً نهاراً، وقبل صدور القرار الظني أن آل الحريري، أسرةً وتياراً سياسياً وكتلة نيابية، يؤكدون براءة حزب الله، قيادةً ومقاومة وأعضاء، من شبهة أو تهمة اغتيال الحريري، واستعداده، أي الرئيس الحريري، إلى وقف تمويل المحكمة الدولية، ومطالبة القضاة اللبنانيين بالاستقالة من أجهزتها إذا ما صدر قرار ظني يسيء إلى حزب الله بغير وجه حق .
يتخذ الحريري هذا الموقف فيحفظ وحدة البلاد والعباد في وجه دولة العدوان الصهيوني، وينقذ حكومته ومستقبله السياسي، أو يمتنع فيفسح في المجال أمام المعارضة الوطنية لإسقاط حكومته والاستعاضة عنها بحكومة إنقاذ وطني، متماسكة وقادرة على مواجهة العدوان الصهيوني المرتقب بوضع شعار “وحدة لبنان شعباً وحكومةً وجيشاً ومقاومةً” موضع التنفيذ، بعيداً عن أحصنة طروادة الحكومية التي صالت وجالت خلال 33 يوماً في حرب ،2006 قبل أن تحطّ رحالها في السفارة الأمريكية تحت مظلة وزيرة الخارجية السيئة الصيت كوندوليزا رايس .
عصام نعمان
الخليج الإماراتية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق